المائدة الرمضانية هي أحد أبرز سمات هذا الشهر الفضيل، ولكنها تعكس إحدى الظواهر السلبية التي تقوم بها الأسر في مجتمعاتنا، ويتفق الجميع على أن التبذير عادة تتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي حذرت من الإسراف، إلا أن كثيرين ينتهجون هذه العادة في شهر رمضان المبارك لتصبح سلة المهملات هي الملجأ الأخير لأنواع الطعام التي كانت تتزين بها المائدة بعد أخذ الحاجة منها التي لا تصل للنصف في أحسن الأحوال .
وللإسراف في رمضان عدة جوانب تنعكس على حياة الأسر، سواء من تكبد المصاريف الشرائية التي تتجاوز ضعف ماتنفقه الأسر في الأشهر العادية، أو من خلال السلوكيات الغذائية التي تصيب الصائم بسبب إسرافه في تناول الطعام بزياده في أواخر الشهر الكريم بعدة كيلوغرامات تؤرق جسده من الناحية الصحية والنفسية .
كما أن النساء يتباهين بموائدهن في رمضان وتبدأ الواحدة بالحديث عن كيف فعلت هذه الوصفة وماهي مقادير هذه الوجبة، فأصبحت الظاهرة من مائدة طعام تسد جوع الصائم إلى معرض إنجازات لربة المنزل أمام ضيوفها .
ووفقاً لتقرير صدر عام 2009 عن مركز إدارة النفايات – أبوظبي، تشكّل فضلات الطعام 34% من مجموع النفايات في دولة الإمارات، ونحو 500 طن من الطعام يتم التخلص منها خلال شهر رمضان المبارك وحده، ويتم التخلص من هذه النفايات بنقلها إلى مكبات النفايات، الأمر الذي يزيد من معدلات الانبعاثات الكربونية، ويتسبب بالتالي في تفاقم ظاهرة التغير المناخي .
قالت نسرين حبيب (موظفة) إنه مع بداية شهر رمضان تبدأ العزائم التي غالباً ماتكون بأعداد كبيره من الأهل والأصدقاء ،لذلك يجب إعداد أفضل الطعام وبكميات كبيره وبأصناف متنوعة، وهذا بلا شك يشكل عبئاً على الأسرة، خاصة مع ارتفاع أسعار كافة السلع الغذائية وغيرها قبل شهر رمضان وخلاله، مشيرة إلى أنها حاولت كثيراً الاقتصاد في حجم الانفاق خلال هذا الشهر الفضيل لكن بلا جدوى، فراتب رب الأسرة ينفد مع أول اسبوع من الشهر ولا مجال أمامهم للتوفير .
من جانبها، قالت فاطمة راشد (ربة منزل): أصبح من العادات المتوارثة أن تتضمن موائد رمضان عدة أصناف من الطعام، فيجب أن تكون على المائدة أكله شعبية وأخرى عالمية، غير أطباق الحلويات والمقبلات، لنكتشف بعد إعداد الفطور ان المائدة تحوي أصنافاً متنوعة من الطعام تفوق عدد وحجم من يلتف حول المائدة، فيكون مصير بقية الطعام إلى القمامة في صورة مؤلمه نكررها يومياً رغم تذمرنا منها .
وأكد حمد الحوسني (موظف) أنه خلال شهر رمضان المبارك ينفق ضعف ما ينفقه في الأشهر الأخرى، لأن كل مايتم إعداده في رمضان يكون مضاعفاً، سواء في الطعام أو الشراب، كما انه مطالب بتوفير كل تلك الطلبات من أجل أن يظهر بصورة لائقة امام ضيوفه، ومن أجل أن تصبح المائدة رمضانية متنوعة .
وقال :الجميع يعلم بأن الإسراف من العادات السيئة خاصة خلال شهر رمضان الكريم وذلك لما للشهر من روحانيات وإيمانيات تدعو المسلمين للتخلي عن كل العادات السيئة واللجوء إلى الله تعالى في كل شيء، ولكن لاحياة لمن تنادي لأن الإسراف اصبح مقروناً بالموائد الرمضانية وعادة اجتماعية .
وأوضح عمر حسن (موظف) أن ثقافة الاستهلاك أصبحت متأصلة في المجتمع ولم تقتصر على الطعام فقط، كما ان هذه الثقافة تزيد وضع بعض الأسر سوءاً، بما يدفع البعض للاستدانة لتغطية تكاليف الشهر، وهذا بالتالي ينعكس سلباً على الأسر ويثقلها مادياً، خصوصاً مع الارتفاع الملحوظ لأسعار المواد الاستهلاكية .
وقال إن الطعام الذي يعد خلال شهر رمضان في أسرة تتكون من 4 أشخاص يكفي لعشرة، لأن الأسر لا تستطيع النظر إلى مائدتها الرمضانية وقد احتوت على طبق أو اثنين بل يجب أن يكون هناك عدة اطباق متنوعه ومن كل شكل ولون حتى وإن لم يأكلوها، وغالباً يكون مصيرها مكب النفايات .
من جهتها ،قالت لانا محمد(ربة منزل) يعود التبذير في شهر رمضان إلى الاعتقاد الخاطئ بين الناس بأن رمضان شهر الجود والخيرات والكرم وهو شهر التلذذ بأصناف الطعام المختلفة وغير المعتادة في الأيام العادية، فتنكب ربة المنزل على العمل في المطبخ طول اليوم من أجل أن تعد مائدة متنوعة ومختلفة عما كانت تعدها في الأيام العادية .
وأشارت إلى انه عادة ما يتبادل الأزواج فيما بينهم الاتهامات بالمسؤولية عن الإسراف والتبذير الذي يرافق الكثير من موائد الإفطار خلال شهر رمضان المبارك، حيث يلقي الزوج باللائمة على الزوجة، التي تقع مسؤولية إعداد مائدة الأفطار عليها بالدرجة الأولى، فيما تحمّل الزوجة المسؤولية على الزوج، الذي يطلب منها أن تملأ المائدة بمختلف أصناف الطعام والشراب والحلويات وغيرها، وفي الحقيقة الكل مسؤول عن هذا الإسراف وعلى الطرفين أن يكونا على قدر أكبر من المسؤولية للحد من هذه الظاهرة .
من جانبه، قال خالد عبد الرحمن (موظف): جرت العادة على الاهتمام المبالغ به بالطعام خلال شهر رمضان، وتتسابق الأسر في الشراء والاستعداد لتجهيز المأكولات الرمضانية قبل بدء الشهر الفضيل بمدة لا يستهان بها، فالمائدة الرمضانية لا بد أن تحتوي على كافة أصناف المأكولات ابتداء من الحساء وحتى الحلويات، حيث تعشق العين الطعام خلال اللحظات القليلة التي تسبق آذان المغرب، وبمجرد أن يبدأ الصائم بشرب العصير، والحساء وبعض المقبلات، يصاب بتخمة تمنعه من تناول بقية المأكولات، فمن المعروف لدى الجميع أن نفس الصائم تشتهى وترغب في كافة المأكولات قبل الإفطار، وبمجرد أن يقبل الصائم على الطعام تزول هذه الرغبات، فالصائم غالباً ما يأكل نصف الكمية التي اعتاد على أن يأكلها في غير أيام رمضان، الأمر الذي ينعكس سلبا على الطعام الفائض لينتهي في سلة المهملات، وللأسف هذه هي الظاهرة الأكثر انتشاراً بين الأسر والعائلات في هذه الأيام، من خمسة إلى سبعة أصناف يومياً على مائدة الإفطار، نصفها على الأقل يلقى في المهملات .
وفي تعليقه على ممارسات الإسراف على مائدة رمضان، قال فضيلة الشيخ عبدالله موسى اختصاصي أول توجيه وارشاد بدائرة الشؤون الاسلامية بدبي، أن الله سبحانه وتعالى حرم الإسراف والتبذير في قوله تعالى وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، فالطعام والشراب إحدى نعم الله علينا لذلك على المسلم أن يحافظ عليها .
وقال يجب أن يكون نصب أعيننا ونحن نستقبل شهر رمضان الفضيل أن الزيادة في إعداد الطعام على الموائد الرمضانية من أجل إطعام الطعام وليس لرميه في سلة القمامة، ففي حالة زاد الطعام عن حاجة الأسرة يجب أن يتم إعادة ترتيبه بشكل جيد وتقديمه للفقراء أو توزيعه عند المساجد للمحتاجين، أو أقل ما يمكن فعله أن يقدمه طعاماً للحيوانات، المهم ألا يتم إلقاؤه في سلة المهملات فهذا الطعام نعمه ورزق من الله سبحانه يجب أن يحافظ عليها المسلم .
وأضاف نحن مطالبون بإكرام الضيف وتقديم أفضل الطعام إليه خاصة أن لشهر رمضان خصوصية في اجتماع الأهل والأصدقاء والالتفاف حول مائدة الإفطار، لكن يجب ألا يمنعنا هذا كله من الحد في الإسراف في الطعام وأن نضع نصب أعيننا أن هناك من هو بأمس الحاجة إلى الطعام وأن هناك من يموت جوعاً .
من جانبه، قال الدكتور سمير سامي الحاصل على دكتوراه في التغذية وعلاج السمنة، إن السلوك الغذائي الذي يتبعه بعض الصائمين في شهر رمضان سلوك خاطئ، ويعد تغير العادات الغذائية من الأمور التي تتطلب مجهوداً كبيراً ووعياً وثقافة علمية وصحية، إلا أن الشخص الذي يحاول بقدر الإمكان تغيير هذه العادات سوف يجني ثمارها، ويستشعر بشكل مباشر الآثار الإيجابية للصوم .
وأضاف أن الدراسات العلمية أوضحت أن الأفراد الذين يتناولون طعامهم في شهر رمضان، باعتدال وحسن اختيار تنخفض عندهم نسبة الكولسترول والدهون والسكر في الدم، بالإضافة إلى إراحة الجهاز الهضمي وتحسنه في العديد من الجوانب الصحية، ولكن للأسف بعض الصائمين يقومون بالعكس، حيث نجد أن ملء البطون ، والإسراف في تناول ما لذ وطاب من كل أنواع الحلويات والأكلات الدسمة، في هذا الشهر أدى إلى حدوث العديد من الاضطرابات الهضمية بين الناس، كأن الفرد يحتاج إلى غذاء أكثر في هذا الشهر الفضيل، في حين أن معظم الأفراد يحتاجون إلى كمية غذاء أقل خاصة من المواد النشوية والدهنية المولدة للطاقة لقلة حركتهم وجهدهم المبذول في شهر رمضان، والدليل على ذلك معاناة الكثيرين من زيادة الوزن خلال رمضان وبعده بسبب تناولهم ما يفوق احتياجاتهم الحقيقية .
وأشار إلى انه يمكن البدء بالإفطار بعد ساعات طويلة من الصيام، بشكل سليم من دون أن يتعرض الجهاز الهضمي إلى مشكلات من خلال البدء ببعض أنواع الأطعمة الخفيفة على المعدة كالتمر أو الحساء أو حتى الحليب إذا أمكن، لتكون بداية الإفطار مشابهة لوجبة الفطور في الأيام العادية، بعدها يمكن تناول السمك أو الدجاج أو اللحم في الطبق الرئيسي شرط ألا يكون غنياً بالدهون، مع كمية قليلة من النشويات .
وقال ان ثمة أطعمة معينة ينصح الصائم بتناولها في موعد الإفطار كونها تعطي إحساساً بالشبع يستمر لمدة طويلة، في مقابل أطعمة أخرى من الأفضل تجنبها، أما الأطعمة التي ينصح بالتركيز عليها فهي تلك التي تعطي الجسم الطاقة ببطء وتهضم ببطء لغناها بالألياف كالخضر والفاكهة والنشويات، شرط اختيار النشويات التي تحتوي على السكر البطيء الهضم، ومن الأفضل الامتناع عن النشويات التي تحتوي على السكر السريع لأنها تعطي إحساساً سريعاً بالشبع وتسبب الجوع خلال وقت قصير .
وأوضح الدكتور طارق صادق خماس، استشاري الطب النفسي في أبوظبي أن الإسراف على الموائد الرمضانية أصبح عادة متوارثة وتعتبر من العادات والتقاليد في بعض المجتمعات، فتقوم ربة الأسرة بإعداد أطباق غير اعتيادية في شهر رمضان، كما أن حرمان الصائم خلال ساعات الصيام من الأكل والشرب يدفع به لاشتهاء عدة أصناف من الطعام لتلبية رغبه الجوع لديه، لذلك نشاهد تنوعاً في وجبات الإفطار يومياً رمضان .
وقال إن التبذير في الموائد الرمضانية يعكس سلبيات كثيرة سواء من الناحية الصحية حيث يصاب عدد من الصائمين باضطرابات معوية بسبب كثرة الأكل، اضافه إلى أن البعض يصاب بخيبه أمل عندما يتوقع أن وزنه سيقل خلال شهر رمضان فيفاجأ مع نهاية الشهر الفضيل بأن وزنه زاد وهذا بلا شك يؤثر في الجانب النفسي .
محمد جلال الريايسة مدير إدارة الاتصال وخدمة المجتمع في جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية، أكد أن ظاهرة الإسراف في التغذية منتشره بين أفراد المجتمع، سواء في المرحلة الأولى وهي شراء المواد الغذائية أو المرحله الثانية خلال إعداد مائدة الإفطار في شهر رمضان المبارك، موضحاً أن حالة الجوع التي يشعر بها الصائم تدفعه إلى إعداد طعام بكميات كبيره تفوق حاجة الأسرة، وهذا قد يتسبب في سوء تخزين الطعام الفائض سواء في الثلاجات أو في جو المطبخ العادي ما سيجعل مصير هذا الطعام إلى سلة المهملات .
ونوه إلى أن الإسراف من العادات المذمومة في الدين والعادات والتقاليد، لذلك على الأسر أن تبتعد عن البرستيج على الموائد الرمضانية وأن تضع في اعتبارها المواد الغذائية الصحية الطازجة التي يحتاجها الصائم، كما يجب ألا تخلو المائدة من اللبن والتمر لما لهما من قيم غذائية مهمه لجسم الإنسان .
وأوضح أن جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية أطلق حملة مع بداية شهر رمضان للسلامة الغذائية، حيث ترتفع نسبة الطلب على المواد والسلع الغذائية خلال الشهر الفضيل، لذلك سعى الجهاز لإرشاد المستهلكين على طرق التعامل السليمة مع الأغذية بدءاً من عربة التسوق وصولاً لطاولة الطعام، كما تم التركيز على الأخطار الغذائية غير المرئية من بكتيريا وجراثيم التي قد يتعرض لها المستهلكون من دون علم منهم بوجودها وذلك بإبراز أضرارها الفادحة عليهم وعلى عائلاتهم .
ودعا إلى ضرورة أن يكون هناك نوع من التخطيط السليم خاصة خلال شهر رمضان، فكثرة العروض الترويجية والسلال الرمضانية تدفع الناس إلي الشراء من دون النظر في تواريخ انتهاء المواد الغذائية، وهل إن كانت هذه المدة ستكفي احتياجاتهم أم انهم سيحتفظون بها حتى انتهاء صلاحيتها ويكون مصيرها سلة المهملات، كما يجب التأكد من وجود أماكن تخزين مناسبة ومهيأة وكافية للمواد الاستهلاكية التي يتم شراؤها حتى لا يتم تخزيها بشكل غير صحيح وتفسد .
وأوضح أن أساليب التسوق الصحيحة تتضمن خطوات بسيطة ولكنها في غاية الأهمية كالفصل بين الأطعمة ومواد التنظيف والتحقّق من تاريخ صلاحية المنتجات وتبريد الغذاء الخام غير الجاهز للاستهلاك بسرعة والتأكد من أن الفاكهة والخضروات طازجة وقراءة البطاقة الغذائية للمعلبات قبل شرائها، وأيضاً تجنب خلط منتجات اللحوم مع الخضار وعدم شراء الحليب ومشتقاته في بداية التسوق وتلافي إبقاء الطعام على الطاولة لساعتين أو أكثر وعدم ترك الطعام المبرد خارج الثلاجة لمدة طويلة وتجنب خلط الغذاء غير الجاهز للاستهلاك مع الطعام الجاهز للأكل تفادياً للتلوث .